القناع

محاولة لمعارضة أنطون تشيخوف، رسالة إلى الكل ولا أحد.

  إلى السيد العزيز،
أطلب رضاك، أما بعد..

 

  أعلم أشد العلم أن حفلكم هو الأشد صخبا وليس كمثله حفل، إذ يحضره الأكثر قبولا من الناس، ويغدو الناس أكثر قبولا لحضوره، ولذلك أتألم كثيرا، لكن يا سيدي لا شك في أن حضور حفلا كذلك الذي تقيمه كل ليلة يتطلب أمورا واجب أن تكون على الأقل بنفس الروعة التي يكون عليها الحفل، وذلك لو تعلم صعب جدا، إذ إن المدعوين جميعهم ما إن يدخلوا داخل القصر عليهم أن يرتدوا أقنعة براقة لا تظهر من الوجه شيئا، ولا أعرف إن كنت تعلم يا سيد أم لا، ولكنها شديدة الالتصاق إذ إن المرء حينما يضع القناع لا يقدر على طرحه، إذ ذاك يقوم المدعو في كل حفل أن يرتدي فوق القناع قناعا حتى تثقل رأسه، وأنا -أرجو أن تسامحني لتفاهة عذري- وجهي رقيق هش، لا أحتمل حتى وضع قماشة عليه لأضع قناعا، لكنك إن رأيت وجهي ستعلم بالتأكيد مدى ضعفه، كما أن رقبتي يا سيد لا تحتمل وزن تلك الأقنعة، وعليه، فكيف لي يا سيد أن آتي لحفل مليء بالأقنعة بوجهي الحر المكشوف؟

  أود يا سيد أن أعتذر بكل ما أملك من قوة عن عدم حضوري لحفلكم الكريم، وفي رسالتي تلك بيان أسبابي التي منعتني –بكل أسف- عن الحضور لعل وعسى ترضى عني يا سيد.

  أخاف أن أطيل عليك يا سيد فتسأم مني، لكني أخاف أكثر أن أختصر الحديث فأبدو غير مقنع، مسألة أخرى منعتني وهي الملبس والحلي، أرى كل ليلة يا سيد الجموع تسير إلى قصرك وهم يرتدون من الملبس ما يشتت نظري ومن الحلي ما يعميني، وتبدو كل تلك الأمور لائقة بهم لكنني نظرت إلى ذاتي في المرآة، ويا حسرتاه، كيف لهيكلي الهزيل أن يناسب كل تلك الملابس والحلي؟ فالسادة المقبولون في حفل حضرتك يا سيد لديهم من المرونة ما يجعلهم يدخلون في أي من تلك ويليقون بها، إنما أنا؟ يا سيد لو رأيتني فهمت.

  سألت نفسي يا سيد كيف أذهب لحفلكم الكريم وأنا أسكن هذه الغرفة المتواضعة، ورأيت ذاتي أقل من الذاهب إليكم في الحقيقة ودون كذب، أعلم أنك لن تُعجب بعذر كذلك إذ إنك تقبل الكل، ولكن الكل سواي؟ 

  وهناك أمر آخر آمل ألا يغضبك، حيث إنني حينما مررت بقصركم أثناء الحفل رأيت الكل يرقصون منحنين ويأكلون الهراء من الأرض مباشرة، وأنا إن أكلت الهراء -سحقا لضعفي- مرضت، وليس لي القدرة على دفع ثمن العلاج، ومن ثم سأموت، وأنا لا أريد أن أثقل عليك بهمي التافه أمام شؤون حفلك المبجل الهام وأطلب منك العلاج، أترضى إذن أن أموت؟

 

  واعذرني فيما سأقول، ولست أقصد في ذلك أن أسبب مضايقة لك بأي حال من الأحوال، لكن كيف لي أن أحضر حفلكم البهيج ولم ترسل لي دعوة، هذا يا سيد ما فطر قلبي في الواقع؛ لأنني في حقيقة الأمر كان من الممكن أن أتخلى عن وجهي وأرتدي الأقنعة كل ليلة لأكون فقط على باب حفلكم، وكنت عازما على أن أرتدي من الملبس والحلي ما يليق بتلك المناسبة حتى وإن كنت لا أليق به، ولكن كيف لي أن أكسر كل تلك الحواجز دون كلمة فقط منك؟ 
  وكنتُ على أتم الاستعداد، وضميري مشكوف أمام الرب، أن آكل الهراء حتى يكاد يخرج من عيني ولأموت إذن، لكنني على الأقل كنت سأصبح ممن حصلوا على صبولكم وحضروا الحفل ولو لمرة وحيدة.
 حتى وإن كنت يا سيد ضعيف الصوت وبالكاد يمكن أن يُسمع صوتي في وسط جمع قليل ومن المستحيل أن يسمعني أحد في حفلكم، لكنني بكل تأكيد كنت سأصغي جيدا لكل حرف يقال وأقدره وأفهم معناه، وإن لم أفهم كنت سأبحث له عن معنى، حتى وإن كانت كل تلك الدعابات التي تضحكون عليها لا تُضحك في الواقع، ولا تعجبني في الحقيقة، ولكن، لعمري أنني كنت سأبذل قصارى جهدي لأضحك عليها!
  وبذلك يا سيد، اسمح لي أن أبرئ ذاتي من ذلك الذنب المشين، عدم حضوري لحفلكم، لكنني في عقلي تأهبت أشد التأهب، لكن الكلمة لم تخرج منك، واسمح لي، مرة أخيرة، أن أعتذر لك عن قبولك لي في الحفل.


أرجو أن تقبل بالغ محبتي، 
المخلص للأبد.

 29/1/2022

مينا وجدي غطاس.

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

إنها السياسة.. إنه البيزنس

لماذا الأسوار ذات أهمية؟

لماذا سيشعر ابني بالوحدة؟