كلبٌ وثور
إلى أخي...
في أيام المجاعة،
جلس الأخوان حميد وكرم، بما أبقته لهما المجاعة من شحم، على الأرض، وفي ركن ارتخى
كلب يظهر العظم من جلده، والشمس تضرب بأعنف حرارتها الأرض حتى لتكاد تخترق الحوائط
وتحرقهما، في تلك اللحظة قال حميد، الأخ الأكبر:
-
يا ابن والدي، قد صار لنا من الأيام دون لقمة
تدخل فمنا ما لم أعد قادرا على عدّه، نحن نموت وليس حري بنا أن نموت هكذا!
-
والعمل يا حميد؟ حتى الزرع مات من الشمس،
والدار خالية من المال والغلة.
-
العمل أن نأكل، نحيا اليوم ثم نفكر في غدٍ
الله أعلم في ملكوته إذا ما كنا سنراه! هناك الثور نذبحه ونأكل منه كل يوم مقدار
ما يكفي بطوننا فقط للاستمرار، ثم ربنا يفرجها من عنده وقتما يشاء فنزرع ونعمل
ونشتري واحدا.
-
أجننت يا أخي؟ هذا الثور هو كل ما نملك بعد
البيت وروكي الكلب، هذا في أيامنا تلك يساوي أموالا كثيرة!
-
يا أخي والمال فيما يُصرف؟ أليس في الطعام؟!
وبعدين مَن بالقرية لديه المال ليشتري ثورا كذلك، لا الجزار ولا حتى العمدة نفسه!
-
معك حق، ولكنني أمام الله أبرئ نفسي من أي
مشكلة سنقع فيها في المستقبل بسبب تصرفك ذلك!
لم يعطِ حميدٌ ردا
بل قام على الفور وأحضر سكاكينه التي بدا أنها تلمة، ولكن ذلك لم يجعله يقف بل
أعطى أخاه سكينه وخرجا، وفيما هما يقتربان من منزل الثور سمعا ضجة رهيبة كأن
شيطانا في داخل الجدران يضرب فيها ويكاد يهدها على رأسه، الضجة تعلو وأنفاس الثور
نفسها مسموع صوتها لديهما، مما جعل كرم يتوقف مترددا:
-
حميد، ألا تسمع تلك الضجة؟! نحن كالطفلان
وليس فينا صحة أمامه، إذا ما دخلنا فهو الموت!
جز حميد على
أسنانه يأسا وكاد يشق جلبابه، لكنه بعد لحظات من الصمت أطرق رأسه للأرض ورجع مع
أخيه مرة أخرى لمكانهما، وفيما هما مستقران انفجر حميد في البكاء حزنا وجوعا، إذ
ذاك تحامل روكي الكلب على نفسه وجرى نحوه بما فيه من طاقة ولحس أدمعه مهونا عليه
ثم جلس بجانبه هادئا رفيقا.
أطال حميد التحديق
في روكي الكائن بجانبه وهو يعزيه على آلامه، وروكي يبادله النظر مبتسما مخرجا
لسانه على جنب يلهث، ربت حميد على ظهر كلبه ثم نظر إلى كرم وقال:
-
لقد عرفت ماذا يمكننا أن نأكل لننجو بأنفسنا
من الهلاك!
-
ماذا يا ترى؟
-
روكي!
-
والله إنك تريد إما أن تجعلني مجنونا أو أنك
مجنون ابن مجنونة!
-
اسمع الذي أقوله لك! إن كنت تريد أن تحيا
فتلك الطريقة الوحيدة!
-
يا حميد تعقل بالله عليك، أمنطق هذا الذي
تنطق به! ثم افترض يا أخي أن لحم الكلب يا ليس حلالا؟!
- كيف لا يكون حلالا يا أبله وهو وسيلتنا
للنجاة من المجاعة؟ الضرورات تبيح المحذورات، ثم إن روكي نفسه لو عرضنا عليه الأمر
لوافق فورا! وبالمنطق يا كرم، إن هجم علينا لص الآن، أترى روكي سيفكر في حياته أم
حياتنا؟!
-
في حياتنا..
-
إذن فلتنفذ ما أقوله لك الآن، أعطني السكين!
قام كرم مطرقا
مجرجرا قدميه غصبا وأتى له بالسكين، وروكي جالس يتناقل النظر بحب بين الأخين، ولا
يفهم من أمرهما شيئا، أمسك حميد السكين وروكي بجانبه لم يخف بل كان جالسا مطمئنا،
وبسرعة أحاط حميد رقبته بيد وبالأخرى ذبحه مما جعل جثة روكي تنتفض وكرم يراقب في
ألم واضح.
سلخ حميد وكرم جلد
روكي واللحم فيه لا يكفي طفلا حتى يشبع ولو قليلا، فاعتلت الوجهين خيبة أمل عظيمة
وتأنيب ضمير كاد يفتك بكرم، والضوضاء في منزل الثور لا تكن أبدا، وأخذت في العلو
حتى انتهت مرة واحدة مما أثار كرم:
-
حميد، اسمع، صوت الثور اختفى، تعال لرؤية ما
الأمر!
ذهبا سويا وفتحا الباب بحذر فإذا بالثور جثة هامدة لا تتحرك ولا يخرج منها نفس نهائيا وقد أقضى عليها الحر، حينها نظر الأخوين لبعضهما وكرم يستشيط غضبا، وحميد جرى من فوره فأتى بالسكاكين ليقطع من الثور ما يؤكل، أما كرم فقد تركه ورجع ليجلس بجانب جثة روكي، والدموع تفر فرا من عينيه، ولحظ على وجه روكي الكلب دمعة قد سالت من عينيه.
رسم: مريم أيمن.
مينا وجدي غطاس.
Comments
Post a Comment