صدفة ‏جميلة ‏حزينة ‏جدا

 

 إلى أين يمكن أن تأخذنا الحياة؟


  اليوم التقيت، أثناء ذهابي لشراء الطعام، أحد أصدقاء طفولتي القدامة، وبادر هو بالسلام في استيحاء وأنا في حرارة بالأحضان، وشتان الفارق بين صديق طفولتي الذي كنت أذهب معه إلى الكنيسة منذ كان عمري ٥ سنوات والذي امتدت علاقتي به سنوات أخرى ليست بالقليلة إلى أن انقطعت أنا عن الذهاب لنفس الكنيسة ومن ساعتها لم أره ثانية، أما اليوم فهو شخص آخر، بعد كل تلك السنوات أخيرا تقابلنا، ليس المقلبظ الذي عرفته في صغري، أصبح هيكله الآن ممصوصا، وأنا أعرف الفرق بين النحافة وبين شكله، أظافره متسخة بعض الشيء، وعيناه تشيان خلسة بمرارٍ جثيم جثوم عليه، ورأسه تتدلى من عنقه نحو الأمام بعض الشيء، إلا أن صوته لا يزال كما هو يحمل النقاء الذي كان فينا في الصغر، ليس كصوتي وطبعي الذي امتلأ بالعالم الذي يعيش فيّ، سألته أين هو، وأردت أن أعرف منه ما حدث في تلك الأعوام التي انقطعنا فيها عن بعضنا البعض، إلا أنني لم أجرؤ على ذلك، قال لي إنه يدرس علوم الحاسوب، وسألني فقلت السياسة، ثم "هل تذهب للكنيسة؟"، فرد "يعني، ليس كثيرا بسبب أني عملت وتركت العمل البارحة.."، إذ ذاك كنا نقف أنا وهو على نفس الرصيف، أنا قريب من الشارع وهو قريب من الحائط، سألته "جيد جدا، ماذا كنت تعمل؟"، والحق الحق أقول لك إنني كنت أتوقع مثلا خدمة عملاء، أو تدريب مهني، إلا أنه أجابني "سوبر ماركت، لكنني اختلفت مع صاحب المحل فقلت له لنحافظ على صداقتنا أفضل وتركته."، أخبرته بأن راحته أهم وها هو الصيف أمامه للراحة، فأخبرني بقلب مفتوح وبنفس الصوت، أقسم لك، الذي كنت أسمعه منه ونحن طفلان، "أحسن فإن ظهري قد كُسر من العمل لديه، ونعم سأرتاح الشهرين الباقيين.."، ولم تكن تلك الكلمات تحمل سخرية بقدر ما كانت تحمل ألما، إنما فقط الابتسامة وهو يحكي لي كانت محض ستارا، أردت أن أقول له إنك كذاب لن ترتاح، ستبحث عن عمل آخر، وإن لم تفعل فإنك لن ترتاح لأن هناك أمرا يمزقك، أنا أعلم.


  لكنني لم أقل حرفا من تلك، بل أنهيت الحوار معه وسلمنا على بعض بحرارة مشتركة وعبرت له عن كم السعادة لأنني قابلته صدفة، وسلك كل منا مسلكه، ها بعد كل تلك السنوات تقابلنا يا م......، على الرغم من أننا نسكن في نفس المنقطة والفارق بيني وبينك شارع إلا أننا ذبنا ذوبانا.


  هل كنت تتخيل يوما أن الحال قد يصل بك إلى تلك المرحلة؟ من طفل ببعض الجنيهات يمكنه شراء كيفما شاء من حلوى من السوبرماركت إلى عامل به؟ والفكرة ليست كون ذلك العمل عيبا، حاشا، لكن أن تنحني وأنت في سني هكذا؟ وإن لم يكن قد تخيل أن الحياة قد تأخذه إلى هنا، هل كان ذلك سيفرق؟ هل يفرق أن يتخيل المرء حياته الآتية من عدم فعل ذلك؟ هل يفرق ذلك مع الحياة حقا؟ وبمعنى أدق هل يفرق معنا نحن إن رأينا ما يمكن أن نصبح عليه؟

-الأحد، الرابعة وسبعة دقائق مساءا.
٨/٨
رسم: مريم أيمن.

-مينا وجدي غطاس.









Comments

  1. حقيقى قصة جميلة و مليانة مشاعر ♥️

    ReplyDelete
  2. benjamin moore titanium - iTanium Arstechnica
    The Benjamin titanium pots and pans moore titanium babylisspro nano titanium spring curling iron is a platinum titanium alloy nier coated titanium plate with titanium earrings a grade 23 titanium gold and platinum coating. Use this to enhance your game.

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

إنها السياسة.. إنه البيزنس

لماذا الأسوار ذات أهمية؟

لماذا سيشعر ابني بالوحدة؟