حُلْمٌ غَرِيبٌ ثانٍ



رأيت تلك الفتاة من قبل، تبلغ من العمر نفس عمري، آية في الجمال، حاجباها مرسومان وثقلهما فيه روعة، عيناها متوسطتان في الضيق ومتوسطتان في الوسع، وأنف دقيق وملامح كأنها مرسومة خصيصا، وشعر أسود كسلاسل الحرير يتدفق شلالا على كتفيها، أما الجسد فتَل به من الإنحناءات نسبة رقيقة.

لم أرها سوى مرة في أحد الدروس وقد تلاقت عينانا صدفة، أما الآن فالأمر عكس ذلك.
آتتني هي وفتاة أخرى من درس آخر وليسا صديقتين، أنا متأكد من ذلك، وكنت أجلس في مقهى راقٍ في شارع سوريا - لم أعرف بوجوده أبدا سوى الآن - بجانب سور كسور البلكونة، وأطل على الشارع إذا نظرت يميني وظهري للبحر، كانت جريئة جدا بالنسبة لفتاة تحدث مراهقا من سنها لا تعرف عنه سوى شكله واسمه، بدأتا بالحديث متحديتين، والأخرى التي من درس آخر تُكلمني وكأنها تعطيني تعليمات وتَصِف لي نظام التعامل مع الفتاة الأولى، وفي وسط هذا الحديث لم يأتني أن أسألهما عن اسميهما.
قالت لي أنها تحب الراب، جميل، لكنها سرعان ما بادرتني بسؤال لاختباري في معرفتي بالراب، من هي لتسألني عن معرفتي بالراب؟!

قبل ذلك الإختبار مر وقت طويل، وبعده كذلك، وكنت مأسورا بين الغِبْطة والحيرة، وعلى وجهي بسمةٌ لا تنمحي وأرد بكل ثقة على كل كلمة تتفوهان بها.
حين ردت عليها بسؤالها عما تعلم هي عن الراب، انفعلتا عليّ ثم قامتا واختفيتا في التو دون أخذ خطوة واحدة!

وجدتني في وسط الشارع وأنظر حولي وكل المحال مفتوحة لكن البشر قليلون جدا، ومرت سيارة زرقاء بسرعة من جانبي دون أن يسبني سائقها أو أسبه لأنه كاد يقتلني، نظرت للسماء وكانت شديدة البهتان، الغيوم والشمس وكل شيء باهت، فجأة أصبحت أجري نحو طريق الكورنيش، وعلى حين غرة أيضا انفجر في الشارع حولي بشر يجرون نحو الجهة نفسها، توقفت فجأة وانمحوا من أمامي ولم أفهم ما الذي يحدث.

وجدت على بعد مني امرأة تقريبا، لم أركز إن كانت رجلا أم امرأة لكني أظن أنها امرأة، سألتها ما الذي يحدث، فردت علي بشيء لم أتبينه لكني وجدتها تنظر نحو السماء، نظرت معها ووجدت طائرة عريضة الجناحين تحلق فوق رأسي إلى البحر، هلعت لأول وهلة وبدا البشر الذين قد اختفوا من قبل وكلهم يشهقون رعبا، وحيَّرني الظن إن كانت ستقع على الشارع أم في البحر، والغريب أني لم أرَ ذيلها، وكانت باهتة كالسماء التي تحلق فيها، ومن جناحها الأيمن خرج الدخان بكثافة وتوجهت ناحية البحر فوجدتني أجري راجعا إلى الوراء قدر الإمكان خوفا من سقوطها وأنظر ورائي حتى لا أفوت منظر الطائرة، سقطت في البحر، فتوقفت ووجدتني أحتفل بذلك في نشوة هائلة مع البشر الذين حولي وقد انتشر صياحنا في الهواء وأيدينا تلوح وترتفع فوق رؤوسنا فَرِحة وبداخلي شعور بالرعب والإقتراب من الحرب.
ثم اختفى كل شيء في لمح البصر.

**تنويه: هذا الحلم تمت كتابته في صيف العام السابق أي في عام 2019.

ويرجى  إذا كان العمل محط إعجابكم نشره والتعليق بنقدكم لأهميتهما.
-مينا وجدي غطاس.
Artwork: Nighthawks , Edward Hopper 1942.

Comments

Popular posts from this blog

إنها السياسة.. إنه البيزنس

لماذا الأسوار ذات أهمية؟

لماذا سيشعر ابني بالوحدة؟