الخلاص؟



آه..
رقبتي تؤلمني، وظهري أيضا، رأسي يكاد ينفجر، و... آه..
الظلام يحيط بي من كل جانب، أو أنا صرت أعمى، لا أعرف..
أين ذهب حذائي؟
أين أختي؟ لقد كانت بجانبي منذ حين وكنا نلعب الغميضة، لعلي سقطت في حفرة، أو أنني أغلق عينيّ حتى الآن، حسنا، سأفتحهما، هااا، الظلام لازال هنا، أين أمي إذن؟ ماماااااا، لا مجيب عليّ، أنا أشعر بالبرد، سأحك يداي لعلي أصل لقليل من الدفئ..
ما هذا؟ ماذا أصاب يداي؟ أصبحتا خشنتين وكبيرتين يملأ سطحيهما الشعر، ماذا حدث لي؟
 مررت يداي الغريبتين على جسدي، وإذا به بارد يابس وهزيل، وتلك الملابس التي عليّ ليست ملابسي، فقد كنت أرتدي سروالا قصيرا وقميصا، وفي دهشتي وأثناء احتكاك يدي برأسي وجدتني بلا شعر!
يا إلهي!
إلهي؟ ما معنى تلك الكلمة، من هو إلهي ذاك الذي ناديته، أهو أحد أصدقائي أم أنه الرجل الذي كان يتحدث مع أمي منذ قليل؟
زال ألم رقبتي، وقلَّت البرودة قليلا، والمكان حولي يتمدد، لا أرى أبعادا له لكنني أشعر بذلك، إن الذي تحتي يتحرك ويتمدد.
سأتحرك، نعم سأتحرك، لعلي قد سقطت وفقدت الوعي، قدماي ويداي يتحركان، وأيضا رئتاي أصبحتا تلهثان من فرط الحركة لكنني أشعر أن الأرض من تحتي لا تتحرك، استمررت في ذلك لوقت لا أعلمه، هناك مياه تجري على جبيني، و... الأرض بدأت تتموج من تحتي، ما هذا؟!
هل أنا أمشي على مياه؟ كنت قد سمعت قصة عن رجل استطاع أن يمشي على المياه، لا أعلم من هو، ولكنني اظن أنني أفعل مثله، أيكون الرجل هو أنا؟ أيكون الذي حكى القصة أنا؟
أظن أن ما حدث الآن نتيجة للهوجتي الشديدة، فقد سقطت على سطح شديد الجفاف وشديد الفتور لا هو بارد ولا حار، حسنا سأرتاح قليلا لعلي أصحو من ذلك الكابوس.
أنا أخاف الظلام ورغم ذلك لا أشعر بالخوف.
في الظلام رأيت شيئا! نعم، رأيت شيئا غريبا، ظل! كتلك الظلال التي كنت أراها في صغري وكنت أرد بصري عنها، لكن الآن الأمر ليس كذلك، فبيننا ألفة غريبة، رفعت يدي له ملوحا فبادلني الفعل وقد كان يحدق فيّ ويومئ برأسه سلاما ففعلت أنا كذلك.
أغمضت عيني وفتحتها وإذا به تركني وحيدا، أنا جائع، ليتني كنت بجانب أختي الصغيرة الآن نأكل الكعك الذي كانت تعده ماما.
ولكن ماذا إذا كنت أنا ظل أيضا؟ أحقا كان لدي أخت وأم وكل ذلك؟
لا، لا أظن.
ليتني أنام.
أغمضت عيني ثانية، ومر وقت قليل ارتحت فيه، فتحتها ثانية وإذا بي وحدي كالعادة، لم يكن الظل هناك، أيذهب عني كل ما آلفه؟
عني؟ ولكن من أنا في الأصل؟
أطفل بسروال قصير وقميص؟ أم ذلك الذي مشى على المياه؟ أم أنني مجرد ظل؟ أم لا وجود لي؟
لا يهم، المهم أنني هنا، ومن هنا، صرت أشعر بالدفئ، وتلبسني رضا رقيق لما فكرت فيه، الآن أعتقد أنني يمكنني التمدد على ما هو تحتي والارتياح.
اهتز ما تحتي بقوة وصرت أشعر بموجات تدفعني للأمام، فجأة صارت الأرض خشنة كالرمال وحارقة أيضا، ثم وجدتني أعدو في سائل خفيف رطب، استمرت الموجات تدفعني ومركز صدري يضرب بعنف وأنفاسي تتلاحق بشدة حتى كادت أن تتقطع من كثرتها المتتابعة، انتهى السائل وصارت الأرض عجينا من تحتي له رائحة كريهة جدا.
عليّ أن أهرب!
استمررت في العدو سريعا حتى انجرحت قدمي اليمنى بسبب حصى ظهر فجأة مما جعلني أركع، هناك شيئا يسيل ويخرج عن عيني وتحرقانني، ماذا يحدث لي، أمن من أحد ينقذني؟
فجأة لطمتني من كل الاتجاهات موجات ضارية جعلتني أشعر كما لو أن مخي انفجر، تجمدت وقد انهار جسدي على الأرض والسائل يستمر في الخروج من عيني، وهناك سائل آخر يسيل من أنفي.
انطفأ كل شيء أكثر من إنطفاءه، ثم تفجر نور رهيب.
لا أعرف إذا كنت أعمى وأبصرت النور الآن أو أنني كنت مبصر وأعماني النور، هناك –بعد إنقشاع الغشاوة عن عيني –أناس كثيرون يرتدون أشيائا بيضاء وكلهم يحدقون فيّ، إذن أنا موجود، ولست ظلا!
حمدا لهم، حمدا لهم!
لكن جسدي كما هو هزيل وبالغ، وحولي شاشات ليست بالصغيرة وعلى إحداها صورة طفل أعتقد أنني رأيته من قبل، يرتدي قميصا وسروالا قصيرا، كان هناك امرأة تنظر إليّ مباشرة وشعرها يتراص على كتفيها ثم فتحت فمها وتفوهت ببضع كلمات:
-        مرحبا بك، نحن خلقناك.
خلقوني؟ ما معنى تلك الكلمة؟ بالطبع تقصد خلصوني، نعم، إنهم مخلصيني، يالحظي السعيد، لكن لما هناك أشياء تعوقني عن الحركة في ذلك السرير؟ لا يهم، فهم أنقذوني.
أردت التفوه بالشكر لكن لم يصدر مني صوتا، فابتسمت لها والسائل يفيض من عيني، هناك رجال كبار يأتون ويفكون عني القيود، يا للطفهم، بل إنهم ساعدوني على الوقوف، مجدا لكم!
أخذوني ووضعوني مكان جميل جدا، وفي أثناء ذلك سمعت المرأة تتحدث بصوت عالٍ: "التجربة 1212 قد استفاقت بعد عشرون عاما مع نجاح السيطرة..."
من هي التجربة 1212؟ لا يهم، أخذوني لمكان يُفتح من الخارج فقط وبه ثلاثة حوائط فقط والظهر الرابع للمكان عبارة عن أشياء صلبة متباعدة عن بعضها يستطيع الرجال الكبار فقط فتحها أظن أن اسمها القضبان، المكان لونه أبيض، جميل!
الحمد لهم الحمد لهم الذين خلصوني من الخطر الذي كنت فيه!
Artwork: Felix Lucero, Blind Curve, 2010.
مينا وجدي غطاس

Comments

Popular posts from this blog

إنها السياسة.. إنه البيزنس

لماذا الأسوار ذات أهمية؟

لماذا سيشعر ابني بالوحدة؟