الزاوية


 لم يكن يعرفها، ولكن للضرورة أحكامها، فإنك كإنسان ،أي إنسان، ستفعل كما فعل هو، ما أن ترى فتاة تستنجد بك و يبدو عليها الإعياء ستقوم بعمل أي شيء كي تساعدها.
تلعثم  صديقنا في الكلام؛ فهو لا يعرف كيف يتكلم مع فتاة يعرفها حتى يعرف كيف يتكلم مع فتاة على وشك الإنهيار، سألها بخبرة الأفلام إذا كان هناك دواء تأخذه، روشتة في حقيبتها، لكنها لم ترد، فوضع يده على رقبتها  و هزها بعض الشيء و اقترب منها بعض الشيء كي يسيطر عليها كي لا تسقط، حاول أن يرفع رأسها و أن يوازنها بعد أن رأى أن مقلتا عينيها بدأتا في الإنسحاب و التراجع، فهزها أكثر بقوة و هو قلق بشدة، و بدت عليه العصبية بطريقة رهيبة.
كان يقف على مبعدة من الفتاة من الخلف رجل فكان يرى يدين صديقنا هذا على رقبتها و تهزها بقوة و عصبية.
و على بعد آخر من زاوية جانبية كان يقف رجل آخر يراهما أيضا.
و من على بعد أبعد منهما، شاب و صديقه يركبان موتسيكل صيني الصناعة قام الراكب في الخلف – ما أن رأى المشهد – بتصوير الشاب و الفتاة، و بدأ بالحديث مع صديقه عن الفتاة العاهرة و ذاك الشاب، و أيضا سيقوم بعد قليل بتحميل الصور على مواقع التواصل الإجتماعي و يكتب كلاما على شاكلة "كلهن عاهرات" "صور ساخنة شاب مع فتاة في ضوء النهار أمام الكل".
لم تفلح محاولات صديقنا، و سقطت الفتاة للوراء و قد تجمد و يداه في محلهما، ثم بطبيعة الشارع، تسارع الكل، و أتى ذاك بكوب من الماء و آخر يصيح مطالبا بأي عطر تستفيق الفتاة به، و آخر يبدو أنه خبرة يصيح فيهم قائلا "النفس، النفس!" و وقف صديقنا ذاك و قد شحب وجهه ولا يفعل شيئا سوى التحديق في تلك الفتاة.
أتى رجل قال أنه يعمل في مشفى، فقاموا بالإفساح له، فهو بالتأكيد "خبير" لكونه يعمل في مشفى حتى و إن كان يعمل عامل نظافة ، وضع إصبعيه على رقبتها فلم يجد نبضا، فاتصل كلٌ بالإسعاف، و أتى ضابط شرطة فيجب تحرير محضر.
فأخذوا بعضا ممن كانوا يقفون، فكان معهم صديقنا ذاك.
رحل عنهم الرجل الذي كان يقف بزاوية جانبية، و عندما وصل بيتهم، قال لزوجته " لا إله إلا الله، الولد كان يمسك بحبيبته فماتت بين يديه."
أما في القسم، فقال الكل أنهم أتوا على السقوط فورا و أنهم لم يروا شيئا، ما عدا الرجل الذي كان يقف خلف الفتاة، دخل بكل زهو و قال للضابط "يا باشا صدقني، ابن الكلب الذي في الخارج هذا كان يخنقها، لقد رأيته بأم عيني، كان يمسك برقبتها هكذا، و أخذ يضغط و يهزها حتى ماتت، أقسم بالله العلي العظيم هذه الحقيقة، لقد كنت أقف في زاوية جعلتني أرى كل شيء، أنا أعرف الحقيقة كاملة يا بيه!"
مينا وجدي غطاس.

Comments

Popular posts from this blog

إنها السياسة.. إنه البيزنس

لماذا الأسوار ذات أهمية؟

لماذا سيشعر ابني بالوحدة؟