الزفت
إهداء، بمناسبة وبدون،
إلى الجميلة دائما وأبدًا، النعمة، أختي.
**تقع تلك القصة في مملكة الشَبوكشي، وأي تشابه بينها وبين الواقع فهو عار
علينا.
القلم الأول لألا
تعترض.
القلم الثاني لألا
تصرخ.
القلم الثالث لألا
تتألم أو تشعر.
لم يكن من المفترض لجميلة أن تبدي رأيا في
الأساس، لكن لاختلافها في كل شيء، بآية جمالها وقوة طبعها، لم تكتم الصرخة التي
بداخلها بينما المرأة التي تقول جميلة لها "أمي" تفتح قدميها عن آخرهما،
وأخرى تسن موسا وتدخل برأسها بين فخذي جميلة، ثم تقطع قطعة من لحمها، هذا ما لم
تحتمله جميلة، فدوى صوتها في الغرفة البيضاء التي لطخ دمها جزءا منها.
على الرغم من صرختها الجلية إلا أنها تمالكت
عينيها ولم تدع دموعها تفيض في تحدٍ للمرأة التي تقول لها أمي، ولابنة العاهرة
الأخرى –كما نادتها جميلة– التي غصبت عليها فتح ساقيها، وعلى الرغم أيضا من ذلك
الموقف الذي تقف فيه المرأتان وجميلة، إلا أنها لم تكن تفهم ماذا يحدث؛ إذ إن
البارحة كان قد أقيم عيد ميلادها بشكل ولا أروع، لكن اليوم مختلف جدا!
أجلستها المرأة التي تقول لها أمي دون كلمة،
وجميلة تحدق فيها كما لو أنها العدو الأول والأخير لها، "ماذا فعلت؟"،
صاحت جميلة، فنزلت أمها على وجهها بكفها؛ تجنبا لنظرات التعجب التي قد تبدو على
وجه المرأة الأخرى، فكيف من الممكن لفتاة من المفترض أنها ذات خلق وتربية حميدة أن
تتحدث؟!
-
من اليوم أنتِ دخلتِ طورا جديدا، من اليوم
أنتِ امرأة.
قالت المرأة التي تقول
لها أمي.
-
لماذا أنا امرأة من اليوم وليس من قبل يا
أمي؟
-
لأنكِ اليوم أزلت ما يمكن لأي فتاة غير عاقلة
وغير خلوقة أن تحوزه، قالتها بنظرة وعيد.
-
ولماذا قطعتما بين فخذيّ، ها؟ ردي!
-
لأن ذلك الذي يفرّق بين الفتاة الحسنة
والعاهرات يا جميلة!
-
والآن؟ أريد الرجوع للمنزل، حالا! صاحت
جميلة.
-
لا يمكن لكِ أن تمشي في الشارع كما جئتِ.
-
ماذا؟
-
سنضع عليكِ ما يناسب المرأة المحترمة بحق!
إذ ذاك شمت جميلة بمنخارها الدقيق رائحة قلبت
بطنها كأنها بالضبط تضعه في مؤخرة خنزير يطلق الريح، وضعت يدها اليسرى – حيث إنها
يسراء –على منخارها، فلطمتها المرأة التي تقول لها أمي حتى تضع اليمنى؛ فلا فتاة
محترمة تستخدم يدها اليسرى!
بعد البحث بعينيها العسليتين عن مصدر تلك
الرائحة الطافحة، رأت المرأة تطبخ شيئا في وعاء معدني كبير طويل يبلغ طوله نصف
إنسان متوسط، والرائحة تكاد تعمي جميلة وحدها، بحثت في وجه المرأة التي تقول لها
أمي ووجه المرأة الأخرى عن أي علامات تقزز من تلك الرائحة، إلا أن ملامح البهجة
والهدوء ملأت وجه الأولى كأنما تشم عبيرا، والثانية بلا رد فعل تمارس حرفتها بآلية
متقنة.
بعد حين، تكاتلت المرأتان على جميلة بدون
عنوان، فأوقفتاها بعنف غير مبرر وأخذتا تخلعان رداءها، فقاومت جميلة بضراوة وصرخت
ثانية، وقامت أمها بلطمها مرة أخرى، وهي لا تفهم لماذا يجردونها من كل شيء الآن،
ولأن الكثرة تغلب الشجاعة، وكذلك الجمال والحق، فإن جميلة أصبحت كما ولدتها المرأة
التي تقول لها أمي، بالرغم من أن هناك قطعة ناقصة بين فخذيها.
بعد حين آخر، ارتفع حاجبا جميلة دهشة ورعبا،
حيث أدركت ما سينزل عليها، حرفيا، فالزفت المطبوخ قد أطفأت ناره، وهذا ما أثار
فيها الرعب، هنا بالتحديد سالت من عينيها دموع، وسألت المرأة التي تقول لها أمي
مترجية:
-
لماذا؟
-
لأن الستر واجب.
-
أمي، أنا كنت أرتدي ملابسي ومستورة! أما الآن
فعارية!
-
لا يكفي، بعدما صرتِ امرأةً لا يكفي ذلك،
أتريدين يا قليلة الحياء أن تثيري رجلا في الشارع!
-
ما الرجال يا أمي يمشون عارين في الشارع ولا
يسألهم أحد شيئا! والذي لا يمشي عاريا يرتدي ما هو ملصق بجلده!
-
إخرسي يا عاهرة!
كانت تلك أول مرة تقول لها تلك الكلمة، على
الرغم من أن جميلة لم تبع ولا مرة جسدها أو تمتهنه، وذلك جعلها تصمت وتفكر.
استغلت المرأتان ذلك الصمت وثبتتها المرأة التي
تقول لها أمي، بينما المرأة الأخرى صبت الزفت الأسود على جسد جميلة فحرق بعضا من
مواضعه، ولكن جميلة أحنت رأسها، تنظر في الأرض غير واعية، أخذها التفكير كثيرا فلم
تشعر بشيء حقا، ولم ترجع جميلة للواقع إلا ويدا المرأة الغليظة تدهنان جسدها كله
بالزفت، لكن ما أثار فيها استفزازا هو أنها تأتي عند الصدر وبين الفخذين ومؤخرتها
وتعامل تلك المناطق بقسوة غريبة غير مُفَسرة كأنما أمسكت الإثم بيديها، وتدعك بقوة
شديدة.
قامت في نهاية الأمر مغلوبة على أمرها واتجهت
نحو الباب خاضعة ظنا أن اليوم قد انتهى عند ذلك الحد، إلا أن المرأتين استوقفتاها،
وأعطاها خرقة تحيط بها وسطها الذي لم يعد هناك ما يظهر منه، وتساءلت هنا جميلة،
حيث إنها تقنيا عارية لكنها مغطاة بالكامل، وقد اختنقت حد الغضب والثورة من
الأفعال الغير منطقية تلك:
-
ما هذا أيضا؟! ألا يكفي؟!
-
هذا لبين فخذيكِ، حشمة يا سافلة!
-
أمي، إن الرجال يمشون في الشارع عارين أقول
لكِ، وبين فخذيهم غير مستور بالمرة!
-
إن بين فخذيهم نعمة، أما بين فخذيكِ أنتِ
فلعنة!
عند تلك النقطة أغلقت جميلة فمها المُزفَّت،
وارتدت الخرقة، وتوجهت مرة أخرى نحو الباب، لكن هيهات أن تُترك وشأنها، أوقفتاها،
ثم أخذتاها المرأتان، ورمتاها من النافذة لتقع في الشارع لتقوم وتعتمد على نفسها،
بينما في بقية المباني الرجال ينزلون بالمصاعد.
قامت جميلة، التي كانت، ولم تجد أمرا سوى
المشي، فمشت، نقطة سوداء في الشارع الأبيض، تحيط بها نقاط سوداء أخرى كمثلها،
والرجال يمشون عراة، يأتي كل رجل يختطف "ما" يشاء من النقاط السوداء دون
أن تبدي إحدا"ها" اعتراضا، ورجال آخرون يرمون نقاطا سوادءا أخرى في
مقالب القمامة وهن نحيفات ضئيلات لا يخرجن نفسا.
وأخذت جميلة تمشي.
مينا وجدي غطاس.
رائعة
ReplyDeleteألف شكر أستاذي.
Delete