حُلم حزين أو حميم
"أنا رايح رايح.. أنا مش بفوق
مش زي الحزن أنا استحالة أدوم." ليجي-سي.
قد سبق لي في
ليلته –أي ليلة الحلم- حينما كنت مع صديق مقرب لي في سيارته أن تحدثت عن كيف أنني
للأسف لم أشعر يوما بالألفة بينما الأجداد والأحفاد، وذلك كان في إطار حديث جاءت
فيه سيرة جده رحمه الله، وجدته أطال الله عمرها، وسبب حرماني ذلك، أو نعمة الله علي
حتى لا أشعر بالحزن يوم الفراق، هو أن جدي لأبي توفاه الله قبل مولدي بسنوات
قليلة، وجدي لأمي رحل بعد مولدي بأقل من عام، وجدتي لأبي كانت تعاني من مرض عضال
منعها من التفاعل مع المحيطين بها جيدا فلم تكن بيني وبينها صلة ورحلت وأنا بين
السابعة والتاسعة، أما جدتي لأمي فقد كانت هي الأخرى تعاني من أمر ما جعلها في
منفى عقلي عن كل المحيطين بها، ورحلت في عامي التاسع تقريبا، رحمهم الله جميعا.
وجدت نفسي مرة واحدة في بيت الصيف الخشبي الذي
يوجد في الأفلام الأمريكية، كان لون الجدران خشبي داكن بعض الشيء، ولم يتبين لي
الوقت بالضبط حينها، إلا أنني لم أكن أقوم إلا بأمر واحد، وهو معاينة الغرف
والاستقرار في غرفة مع أختي الكبيرة، مشيت في ردهات وهناك من هم حولي يمشون أيضا
في عجالة لأمر أعتقد أنه يتعلق بترتيب المنزل والحاجيات وما إلى آخره..
دخلت غرفة بغير وعي مني وكانت تشبه علبتي كبريت
متصلتين واحدة بالعرض والأخرى بالطول، الجزء الطولي للغرفة به سريران، والعرضي
كذلك، ولم تكن أختي معي ساعتها على ما أظن، وإنما وجدت في الجزء الطولي مراهقين أو
اثنين يافعين قاربا على مغادرة المراهقة للأبد، تو ما نظرت لهما علمت أنهما
عاريان، ولم أكن مستغربا نهائيا كأنني أعرفهما فعلا، وبالفعل فكانا قد تحدثا إلي
وأنا إليهم بشكل عفوي طبيعي أليف، ولكن سرعان ما تحرك شيء بداخلي جعلني أزيل
الغطاء من عليهما، رأيت جسمين أبيضين دقيقين رقيقين جدا، وكانت الفتاة -على الرغم
أنني لا أكاد أتخيلها الآن – آية في الجمال بجسدها الرقيق الطبيعي والذي كان جماله
غير مُسببا من عريه إنما جمالا فطري نقي، لم أكن قد انقطعت في حديثي معهما، ومع
ذلك كنت أحدق بهما وكانا، من شدة ما وقعا فيه من حب، متشابهين جدا لدرجة جعلتني
أشعر لوهلة أنهما أخوين، إلا أن ذلك على ما يبدو لي لم يكن صحيحا، لم يكونا قد
التحما بعد، ولكن الحب الذي كان بينهما كاد يفيض بما يغرق الغرفة، على الرغم أنني
حتى لم أرتوِ به ولو رشفة، بل كانا يحنكشان، الواحد في الآخر بشغف، ولا أعلم فعلا
إن كنت قد حسدتهما في الحلم أم لا، إلا أنني أحسدهما الآن في الواقع وأنا أخط تلك
الكلمات.
انتقلت فجأة منهما
إلى الجزء الذي استقريت أنني وأختي سنبيت فيه فوضعت حقيبتي على السرير وأنا أتحدث
لأختي التي أصبحت بجانبي عن ترتيب الأمور والحوارات وما إلى آخره، كل ذلك والشابان
لم يتحركا بل ظلا كما كانا يكملان عملهما.
دخل من باب الغرفة
دفعة واحدة، أمي، وخالي الأكبر، وجدتي، وخالتي تقريبا، جميعهم في ثياب عادية صيفية
عدا جدتي التي كانت بقصة الجارسون التي عدتها بها في وقت ما، ترتدي الأسود
الجنائزي، وكنت أجلس على السرير والكل واقف حرفيا، والحوار مشتعل بينهم حول تأخر
على معاد ما، وكانت أمي تحدث أخيها وأختها عن صديق لي حينما كنا نلعب كرة في
المدرسة حيث تأخر وزل الكل ينتظره إلا أنه في النهاية كان في سيارة أخرى، استغربت
من ذلك، لأن أمي لم تحضر شيئا كذلك أبدا حتى حينما كنت طفلا، وذلك لم يحدث أصلا.
إلا أنني على
الرغم من سماعي ووعي للحديث الدائر كانت عيناي مثبتتين على جدتي، هي تنظر لي وأنا
لها دائما وأبدا باستمرار، ملامح وجه جدتي كما عهدتها لم تكبر على الرغم من كوني
كبرت جدا منذ آخر مرة رأيتها، أكثر من عشرة سنوات، ملامح رائقة باسمة تنظر لي
بعينين حالمتين فرحتين كأنما تلومني بهزار، وأنا متيبس في مكاني أنظر لها وأقبض
على المقبض الخشبي للسرير بكل ما أوتي لي من قوة حتى لا أتفجر في البكاء غير
مُبرر، أراها أمامي والدموع قد ملأت عيني في مخالفة –كما هي عادتي –للجو السائد في
المكان، كأنما كانت ترد علي، واستمريت في النظر إليها وبداخلي ألفة وفرح وحميمية
وحزن جعلا عيني في حيرة من أمرها حيث لا تفرق بين الدموع المُحبة والحزينة.
آمل في لحظة ما، حيث يشاهدونني جميعا،
أن يفخروا ولو قليلا بي، حيث أعلم أيقن العلم، أنني لو أزيلت من علي السواتر وصرت
عاريا بلبوصا، لبصق علي المارة جميعهم، وأعرف أن المرء ليس أفضل ابن أو أخ أو صديق أو
إنسان حتى، بل أحاول، أفشل ألف ألف مرة، وأنجح في نصف واحدة، حمدا لله أنهم ليسوا
هنا حقا لألا يروا كل ما أفسدته على مدار العشرين عاما التي عشتها.
إلى اللذين لم
أرهما،
وإلى اللتين رأيتهما
ولم أعرفهما،
كل المحبة.
"في قلب الخطر ع الطريق الصعيب
تسافر بعمرك.. وأمرك عجيب.." -أحمد فؤاد نجم.
مينا وجدي غطاس.
Artwork: Patryk Hardziej.
الله ، أنت بارع في الرمز
ReplyDeleteأستاذي العزيز أشكرك جدا.
Delete