وحيد الداني، الجزء الأول: المهد
السماء تمطر، السيارات تسير بصعوبة في شارع الليجاتيه وسط الباعة المحتمين بالأسقف ومداخل العمائر والبلكونات، هموم تمشي على أقدام في كل مكان، سواء على الرصيف أو الشارع، وتصطدم ببعضها البعض وتكمل مشيها دون اكتراث، تعلو على صوت المطر المنهمر أصوات أبواق السيارات حيث يوجد عربجي يحاول تغيير مسار عربته عند التقاطع الثاني من الشارع، العمائر تصطف يمينا ويسارا متباينة الأطوال وكأنها ستبتلع الشارع ومن فيه، والنوافذ أغلبها مغلقة أقلها مفتوحة، ومن بينها يخرج خيط رفيع من الدخان الأبيض سرعان ما يتبعثر في الهواء من نافذة يخرج منها نور أصفر باهت ويستند إليها وحيد الداني. وحيد، في منتصف الثلاثين، ذو أتب في الظهر، ورأس هجرها معظم الشعر ولم يبق منه إلا قلة قليلة يتسرب إليها اللون الرمادي، يقف بفانلته وسيجارته، يأخذ كل نفس ويخرجه بقوة عسى أن يكون الأخير، هل حقا الأسماء على مسمى؟ وإن كان كذلك فلماذا سموني بذلك الإسم؟ هكذا حدث نفسه، ونظر لأسفل وحدق بالناس في الشارع وهم في حركة آلية في كل الاتجاهات، وركز فيهم؛ يمشون جماعات وأزواج، والأفراد يتقابلون، شعر أنه معلق في الفضاء بين السماء والشارع، فلا...